الْمُصَـوِّرُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الْمُصَـوِّرُ
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (المُصَوِّرِ):
المُصَوِّرُ في اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ للْمَوْصُوفِ بالتَّصَوِيرِ، فِعْلُهُ صَوَّرَ وأَصْلُهُ صَار يُصَوِّرُ صَوْرًا، وصَوَّرَ الشَّيءَ أَيْ: جَعَلَ لَهُ شَكْلًا مَعْلُومًا، وَصَوَّرَ الشَّيْءَ قَطَعَهُ وَفَصَلَهُ وَمَيَّزَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَصْوِيرُهُ جَعْلُهُ عَلَى شَكْلٍ مُتَصَوَّرٍ، وَعَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ، وَالصُّورَةُ هِيَ الشَّكْلُ والهَيْئَةُ، أَوِ الذَّاتُ الُمتَمَيِّزَةُ بِالصِّفَاتِ[1].
قَالَ الرَّاغِبُ: «الصُّورَةُ مَا يَنْتَقِشُ بِهِ الأَعْيَانُ وَيَتَمَيَّزُ بِهَا عن غَيْرِهَا، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَحْسُوسٌ يُدْرِكُهُ الخَاصَّةُ والعَامَّةُ، بَلْ يُدْرِكْهُ الإِنْسَانُ وَكَثِيرٌ مِنَ الحَيَوَانِ بِالُمعَايَنَةِ كَصُورَةِ الإِنْسَانِ وَالفَرَسِ وَالحِمَارِ، والثَّانِي مَعْقُولٌ يُدْرِكَهُ الخَاصَّةُ دُونَ العَامَّةِ كالصُّورَةِ الَّتِي اخْتَصَّ الإِنْسَانُ بِهَا مِنَ العَقْلِ وَالرَّوِيَّةِ، وَالَمعَانِي الَّتِي خُصَّ بِهَا شَيْءٌ بِشَيْءٍ»[2].
وَالمُصَوِّرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي صَوَّرَ الَمخْلُوقَاتِ فِيهِ بِشَتَّى أَنْوَاعِ الصُّوَرِ الجَلِيَّةِ وَالخَفِيَّةِ وَالحِسِّيَّةِ وَالعَقْلِيَّةِ، فَلَا يَتَمَاثَلُ جِنْسَانِ، ولا يَتَسَاوَى نَوْعَانٍ، بَلْ لَا يَتَسَاوَى فَرْدَانِ، فَلِكُلٍّ صُورَتُهُ وَسِيرَتُهُ، وَمَا يَخُصُّهُ وَيُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ.
والصُّوَرُ مُتَمَيِّزَةٌ بِأَلْوَانٍ وأَشْكَالٍ في ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا، وَإِحْصَاؤُهَا في نَوْعٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَصْرُهَا في جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْرٌ يُعْجِزُ العَقْلَ، وَيُذْهِلُ الفِكْرَ، فَالمُصَوِّرُ في أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى هُوَ مُبْدِعُ صُوَرِ المَخْلُوقَاتِ، وَمُزَيِّنُهَا بِحِكْمَتِهِ، وَمُعْطي كُلِّ مَخْلُوقٍ صُورَتَهُ عَلَى مَا اقْتَضَتْ مَشِيئَتُهُ وَحِكْمَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي صَوَّرَ النَّاسَ في الأَرْحَامِ أَطْوَارًا، وَنَوَّعَهُمْ أَشْكَالًا كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11]، وَاللهُ عز وجل كَمَا صَوَّرَ الأَبْدَانَ فَتَعَدَّدَتْ وَتَنَوَّعَتْ نَوَّعَ في الأَخْلَاقِ فَتَتَعَدَّدُ صُوَرُ الأَخْلَاقِ وَالطِّبَاعِ[3].
وَأَعْظَمُ تَكْرِيمٍ للإِنْسَانِ مِنَ اللهِ المُصَوِّرِ أَنَّهُ خَلَقَهُ عَلَى صُوَرتِهِ في المَعْنَى المُجَرَّدِ لِيَسْتَخْلِفَهُ في أَرْضِهِ، وَيَسْتَأْمِنَهُ في مُلْكِهِ.
رَوَى البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ آَدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ ستُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاْسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّها تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ؛ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ: فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ؛ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن»[4].
وَالحَدِيثُ ظَاهِرُ المَعْنَى في أَنَّ اللهَ صَوَّرَ آدَمَ، وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَعِلْمَا وحُكْمَا وَخِلَافَةً وَمُلْكًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَوْصَافِ المُشْتَرَكَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ وَالَّتِي يَصِحُّ عِنْدَ إِطْلَاقِهَا اسْتَخْدَامُهَا في حَقِّ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ، فَاللهُ عز وجل لَهُ صُورَةٌ وَآَدَمُ لَهُ صُورَةٌ.
وَلَفْظُ الصُّورَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ لَا يَعْنِي أَبَدًا التَّمَاثُلَ، وَلَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْتَشْبِيهِ، إِلَّا عِنْدَ مَنْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُ مِنْ المُشَبَّهَةِ والَمعَطَّلَةِ، أَمَّا الصُّورَةُ عِنْدَ الإِضَافَةِ وَالتّقْييدِ فَصُورَةُ الحَقِّ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهَا إِلَّا هُوَ؛ لَأَنَّنَا مَا رَأَيْنَاهُ، وَمَا رَأَيْنَا لَهُ مَثِيلًا، أَمَّا صُورَةُ آدَمَ فَمَعْلُومَةُ المَعْنَى وَالكَيْفيَّةِ، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ آَدَمَ عَلَى صُورَتِهِ سُبْحَانَهُ في القَدْرِ المُشْتَرَكِ مَعَ ثُبُوتِ الفَارِقِ عِنْدَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ.
وَقَدْ قَالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: «مَا مِنْ شَيئينِ إِلَّا بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْرٌ فَارِقٌ، فَمَنْ نَفَى القَدْرَ المُشْتَرَكَ فَقَدْ عَطَّلَ، وَمَنْ نَفَى القَدْرَ الفَارِقَ فَقَدْ مَثَّلَ»[5]، وَالحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ لَهُ مَوْضِعُهُ.
وَالقَصْدُ أَنَّ المُصَوِّرَ سُبْحَانَهُ خَصَّ الإِنْسَانَ بِهَيْئَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مِنْ خِلَالِهَا يُدْرَكُ بِالبَصَرِ وَالبَصِيرَةِ، وَأَسْجَدَ لَهُ بَعْدَ تَصْوِيرِهِ المَلَائِكَةَ، وَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ شَرَفٌ أَوْ فَضِيلَةٌ[6].
وُرُودُ الاسْمِ بِالكِتَابِ العَزِيزِ[7]:
وَرَدَ الاسْمُ في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [الحشر: 24]، مَرَّةً وَاحِدَةً في القُرْآَنِ.
وَجَاءَ بِصِيغَةِ الفِعْلِ مَرَّاتٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6].
وَقَوْلِهِ عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ [الأعراف: 11].
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [التغابن: 3].
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|