{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } (18يوسف).
فمن صبر لأمر الله ولم يتحول ولم يتغير عن أحكام دين الله وعن تعاليم شرع الله فإن الله سينصره ولو بعد حين، فالموظف الأمين الذي يريد من حوله أن يستدرجوه ليخون الأمانة، أو ليقبل الرشوة، عليه أن يصبر لأمر الله، ولا يتحول عن دينه، ولا يغير مبدأه أبداً أسوة بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام والأنبياء والمرسلون أجمعون.
فإذا صبر وصدق في صبره فرَّج الله كربه، وأزال الله عسره، ونصره الله عزَّ وجلَّ على أعدائه، وقال في شأنهم وفي شأن أمثالهم مطمئنناً قلوبهم وقلوبنا:
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } (30الأنفال).
فمن تعذر عليه مثلاً أن يبني حياته وحياة أولاده بالطريق المستقيم وبالهدى المحمدي القويم، قد يغريه إخوانه التجار بغش البضاعة وغش الكيل والميزان وخداع المشترين بشتى الأساليب التي يخترعونها ويبتكرونها ليبتزون أموال الناس بها، لأنهم يريدون أن يعلوا في الأرض بطرفة عين!! فهل يستجيب لهم؟لا ولكنه إذا صبر لأمر الله ولم يغير طريقة التعامل التي هدانا إليها كتاب الله، فإن الله عزَّ وجلَّ سيعزُّه بين القوم اللئام، ويجعل له العزَّة في الدنيا والثواب يوم لقاء الملك العلام، لأنه تمسك بأمر الله، ولم يتحول عن الإيمان بالله، ولم يغير المبادئ القويمة والأحكام الكريمة التي جاءته من عند الله عزَّ وجلَّ.
وكذا المدرس الحكيم الذي يُرضي الله في عمله، ولا ينتظر درساً بعد عمله إلا لمن كان محتاجاً إلى عِلْمه، فإن الله عزَّ وجلَّ يُعزُّه بين المتكالبين على الدروس الخصوصية وجعلوا حياتهم سعيراً، فلا يبارك لهم في أولادهم، ويجعل حياتهم جحيماً مع كثرة الأموال التي في حوزتهم، ويبارك له في أولاده، ويجعلهم في الدنيا مصلحين وفي الآخرة سعداء وناجين، لأنه تمسك بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وهكذا الأمر يا إخواني في كل عمل وفي كل وظيفة، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
{ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى1648; يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاس }(1)
وهؤلاء عليهم الصبر في امتحان الإيمان على الجهاد بتعاليم القرآن والعمل بسنة النبي العدنان، فلا يغيرون ولا يُبدّلون حتى يدخلون في قول الله عزَّ وجلَّ:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } (23الأحزاب)،
وهؤلاء وعدهم الله ووعده لا يتخلّف:
{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً }(55النور)،
وما هي إلا لحظة صبر قصيرة يعقبها حياة عزَّة طويلة، إعزازاً بنصر الله لعباد الله المؤمنين قال صلى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي فَلَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ }(2)
وقال صلى الله عليه وسلَّم:
{ إِني لَمُشْتَاقٌ إِلى إِخْوَاني، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا إِخْوَانُكَ؟ قَالَ: لاَ، أَنْتُمْ أَصْحَابِي، إِخْوَاني قَوْمٌ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرُوني، عمل الواحد منهم بسبعين منكم. قال: بسبعين منّا أو منهم يا رسول الله؟ قال: بل بسبعين منكم، أنتم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون }(3)