التحذير من خطر اللسان
التحذير من خطر اللسان
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102].
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء: 1].
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا طاعة الشيطان، وأحْسِنوا أقوالكم وأعمالكم لتفوزوا برضا ربكم.
عباد الله: إن اللسان من عجائب خَلْقِ الله، يعبِّر عن مستودعات الضمائر، ويُخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يُقدَر على ردِّ شوارده، وحقٌّ على كل عاقل أن يحترز من زلاته؛ فإنه ما من كلمة ينطق بها الإنسان من خير أو شر إلا لديه مَلَكٌ يراقبه ويحفظ قوله ويكتـبه؛ قال سبحانه: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ق: 18].
وقد أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان إلا عن قول الخير والإحسان؛ فعن أسود بن أصرم رضي الله عنه أنه قال: ((يا رسول الله، أوصِني، قال: هل تملِك لسانك؟ قال: فما أمْلِكُ إذا لم أملكه؟ قال: أفتملك يدك؟ قال: فماذا أملك إذا لم أملِك يدي؟ قال: فلا تقل بلسانك إلا معروفًا، ولا تبسط يدك إلا إلى خير))؛ [أخرجه الطبراني وصححه الألباني].
واللسان مع صغر جِرْمِهِ، فإنه عظيمٌ جُرْمُهِ، فمن تَرَكَهُ مرخيَّ العِنان، قاده الشيطان إلى كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هارٍ، إلى أن يضطره إلى البوار؛ وفي الحديث: ((وهل يُكِبُّ الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخِرِهم - إلا حصائد ألسنتهم))؛ [أخرجه الإمام أحمد وغيره، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقال الترمذي: حسن صحيح].
ولقد جاء الوعيد بالإبعاد عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم المعاد لمن أطلق لسانه، ولم يُلْجِمه بلِجام الشرع، وخاض فيما يضر ولا ينفع؛ فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون، والْمُتَشَدِّقون، والْمُتَفَيْهِقون، قالوا: يا رسول الله، قد علِمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون))؛ [أخرجه الترمذي وحسنه]، والمتشدق الذي يتطاول على الناس بكلامه.
عباد الله، واللسان سَبُعٌ ضارٌّ، وأول فريسته صاحبه، ورُبَّ كلمة جرى بها اللسان هَلَكَ بها الإنسان، وكم من حرف أدى إلى حَتْفٍ! وقد تساهل الخَلْقُ في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله، وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان لِيُوبِقَ دنياه وأخراه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد لَيتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالًا، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا، يَهْوِي بها في جهنم))؛ [أخرجه البخاري]، فتعوَّذوا بالله من شر ألسنتكم؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ذلك؛ فعن شكل بن حميد رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، علمني تعوذًا أتعوذ به، قال: فأخذ بكفِّي فقال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر مَنِيِّي؛ يعني: فَرْجَه))؛ [أخرجه الترمذي، وصححه الألباني].
وكان أبو بكر رضي الله عنه يُمسك بلسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد"، وقال عمر رضي الله عنه: "من كثُر كلامه كثُر سَقْطُه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما من شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان"، وكان ابن عباس رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: "ويحك قل خيرًا تَغْنَمْ، واسكت عن سوء تسلَمْ، وإلا فاعلم أنك ستندم"، وقال الحسن رضي الله عنه: "ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|