التوسل بغير الله 2
قال تعالى في سورة سبأ: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ: 22 - 23].
وفيه دروس:
الدَّرس الأول: أخبر الله سبحانه أنَّ الذين يزْعُمون من دون الله لا يملكون مِثْقال ذَرَّة في السَّماوات ولا في الأرض، وهذا غاية في التَّيئِيس عنهم لمن له أدْنَى مسكة من العقل.
الدرس الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ﴾؛ أيْ: هؤلاء المدعوُّون لا يشتركون مع الله في شيء من مُلكه أبدًا، حتى يُسألوا أو يُتوسَّل بهم، وليس لهم أيُّ صلاحية في شيءٍ أبدًا؛ وذلك لأنَّ الله غنيٌّ عن الشركة والاستِعانة بمخلوق، كائنًا مَن كان، كما قال تعالى في آخر سورة الإسراء: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111].
فوالله الذي لا إله إلاَّ هو، إنَّ هذا التوحيد مِن أجَلِّ النِّعم التي تستحقُّ الحَمْد والشُّكر؛ إذْ لم يُحْوِجْنا الله إلاَّ إلى مَلِكٍ غنيٍّ عزيزٍ واحدٍ؛ لأنَّ مِن كمالِ غِنى الله ألاَّ يَحتاج إلى ولدٍ، ومِن كمال مُلكه ألاَّ يحتاج إلى شريكٍ، ومن كمال عِزَّته ألاَّ يتَّخذ وليًّا من الذُّل، وكلُّ هذه المعاني متضمِّنة ما جاء في أوَّل سورة الفاتحة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 2 - 4]، ما جاء في هذه الإضافة من معانٍ أو نكت بينت فيها لماذا أن الله سبحانه خصَّ ذكر ملكه في الآخرة وقال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، وقد ختَم الله السورةَ بتكبير ذاته العظيمة؛ لأنَّ التحوُّل إلى غيره يوجب تنقيصه؛ لذلك يوجِّهنا الله أن نَشْكره أوَّلاً بالتوحيد، ثم نُكبِّره؛ لأنَّ الله وحْدَه هو المستحقُّ للتَّكبير، لا أن يُكبَّر معه أحد، فنقعَ في الشِّرك المحذور.
ثم لو احْتَجنا - على سبيل الفرض والتَّقدير - أن نسأل ونَعبد إلهين لَكَثُر تعَبُنا وشقاؤُنا بينهما فقد يأمر هذا بالقيام مثلاً، ويأمر الآخَرُ بالقعود، فكيف نُطِيعهما في آنٍ واحد؟! قال تعالى مخْبِرًا عن هذه الحقيقة ومُمْتنًّا علينا: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29].
ثم اعْلَم أن الَّذين يُدْعَون في هذه العصور المتأخِّرة أولياءَ لا يَخْلو منهم ادِّعاء القُدْرة والعِلْم والمُلْك على مُرِيديهم؛ حتىَّ يلتزموا طاعتهم، وينفعوهم بالأموال والتَّبجيل والتكبير بغير حقٍّ، وهو شِركٌ بالله واضح.
فالله - سبحانه وتعالى - يُريد أن يُريحنا ويُخلِّصنا مِن هذه المتاعب، وهذا الشَّقاء كلِّه، ويوجِّهنا إلى عبادته وحده؛ لأنَّه هو المَلِك الوحيد، وله مُطْلَق التصرُّف في ملْكِه، وهو العزيز وحْده، لا يُمكن أن يعتزَّ بشركة أحد ولا بمعاونة ولي؛ لذلك فهو المستحِقُّ وحده التكبير والتبجيل، بل والاستعانة والتوسُّل به وحده، والشُّكر والامتنان، فسبحانه لا إله إلا هو، الفرد الصَّمد، الكبير المتعال.
الدرس الثالث: ﴿ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22]:
فكأنَّ الذي يطلب الشفاعة من دون الله، يَظُن أنَّ الشافع ظهير، أو معاوِن لله، كما هو حال ملوك الأرض، فنَفى الله عن نفْسِه ذلك، وبيَّن أنَّ هؤلاءِ الشُّركاء ليس لهم أيُّ مساعدة؛ إذْ كيف لهم ذلك، وهم لا يملكون مِثْقال ذرَّة في السَّماوات ولا في الأرض، ولا أي شركة، بل هم عبادٌ فُقراءُ لا يملكون لأنفسِهم ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملكون لغيرهم؟!
الدرس الرابع:
وهذا أيضًا بيان من الله تعالى في عدم تمكُّن أيِّ أحدٍ كائنًا مَن كان أن يتجرَّأ بالشفاعة، مهما بلغ منَ الفَضْل والشَّرف عند الله، ولو كان ملَكًا مقرَّبًا، أو نبيًّا مرسَلاً، إلاَّ بعد أن يَأذن الله لمن يشاء ويرضى.
ثُمَّ إنَّ هؤلاءِ المشْرِكينَ قد جَعَلوا شُركاءَهم وكأنَّ لهم سُلْطة مطْلَقة، بحيث يقدرون أن يشفعوا لِمَن يريدون، ومتى ما يريدون وكيفما يريدون، وهو باطل مردودٌ بصريح المعقول وصريح المنقول، وقد ثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحْدَث في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ))، وفي رواية: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمْرُنا فهو ردٌّ)).
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|