المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شكشك وممالك الشك - قصص جميلة


- فتنہۧ آلحـوُر ❖
04-01-2017, 09:15 AM
عندما قرر شيخ القبيلة عمروش أن يزوج ابنه مولين بميسون بنت شيخ القبيلة المجاورة كانت خرافة شكشك قد سبقت إلى تحديد هذا النصيب وتاريخ تحققه، وبشرت بأن السيادة بعد الله لسلطتها، فمن شاء آمن ومن شاء كفر، وظل شكشك يمشي بين أحياء القبيلتين ثلاثة أيام بلياليها مناديا أن ساعة الوحدة حلت، وأن نواقيسها ضربت، وأن الخير سيجري على يديْ مولين وميسون، كأن مولين منبع ثرّ، وميسون هي المصب الذي لا يلبث أن يعيد المياه، بخارا ثم سحبا ثم ثلوجا تذوب وأمطارا تهطل، إلى المنبع ليستمرا هكذا تناوبا، وليبقى في علم الغيب وتأويل شكشك من كان سباقا إلى ملء الآخر، النهر أم البحر، فيعم الخصب والجمال كلا القبيلتين داخل هذه الدورة الكريمة، فإذا رفضت ميسون مولين فلأنها لا ترى فيه ربما فارس أحلام كابن خالتها الشاعر، ولو أن الشكشكة رأت في قران ميسون على ابن خالتها مصلحة أو وحدة منشودة لما أمرت بخلاف هذا القران، ولما بثت في خيال الشعراء حب كل النساء حتى باتت ميسون أيضا من جملة من أفقن سريعا من حلم الاقتران بشاعر، ونفرت من ابن خالتها إلا كأخ شقيق، وأضاف شكشك أن ميسون لو كانت عاقلة بقدر ما قد تكون لا تزال عاطفية لوافقت أن تتزوج بمولين، لأنها تعرف أنه فارس حرب أولا، وقائد خيالة قبيلته، وهذا أولى ما يمكن أن تستنجد به عذراء في كوابيسها.

وأما مولين، قال شكشك، فإذا لم يقبل بميسون فلأن قوى شيطانية قد تبديها له غير جميلة، أنا لن أتدخل لتجميلها في عينيه كان يردد شكشك ملوحا بعكازته ومجموعة سبحه نحو السماء، فأنا لم أشوهها في عينيه، ولا أعرف سوى أن ميسون أجمل من البدر التقي النقي، سوى أنها هي طلعت ولن تنزل، إلا إذا أنزلها رفض مولين لها . كانت القبيلتان على علاقة تنافسية ببعضهما، دون أن يكون في ذلك أدنى مؤشر بأن بإمكانهما أن يتصارعا في يوم من الأيام، فكانت مثلا إذا بنت إحدى القبيلتين مسجدا واسعا سارعت الأخرى إلى بناء مسجد أوسع، حتى إذا ما أذن مؤذن في إحداهما كفى الأخرى ذلك لتقيم صلواتها، وهذا هو بالضبط ما كان يخيف أطرافا أخرى، لأن علامات الائتلاف بينهما كانت أكبر وأقوى من علامات الاختلاف، وهما لم يتفرقا من حول حسن جوارهما لأنهما لم يسبق أن توحدا قبل ذلك عليه، وإنما كانا كالزيت والماء، سُنّ لطبيعتهما أن تسمح بتعايشهما جنبا إلى جنب، دون أن يعكر صفو هذه العلاقة اختلاطهما أحيانا لبعض الوقت من جراء ارتجاج ما أو خضخضة عابرة، كما أن هذه العلاقة ستظل استراتيجية أكثر من غيرها، فالماء لن يتوانى أو يعجز عن إطفاء الزيت إذا ما قدرت لها قوى شريرة أن تشتعل، أو هذا ما يمكن أن يأمله عقل يؤمن بالكيمياء.

كانت فضاءات القبيلتين مفتوحة على بعضها، ولا تكاد تمنع رؤية أو سمعا، وهكذا فإن شكشك لم يكن يتعب كثيرا ليوزع خرافاته، وربما لهذا السبب فكر أن يستغني عن حماره، وذبحه ليطعم به كلابه التي كانت تحرسه، وليس لتقديمه قربانا للشكشكة بدعوى أنها فرضت عليه ذلك لتختبر ولاءه ويظل بذلك ممثلا لها والناطق الوحيد باسمها، والداعي الأمثل إلى طاعتها وتصديقها كما أشاع بين القبيلتين.

مولين لم يؤمن، شأنه في ذلك شأن المجموعة الصغيرة التي لم تصدق أيضا، ولكنه طأطأ أمام إلحاح والده الذي قال بأنه يرى في هذا الزواج خير ما يمكن أن يوحد القبيلتين، وأن شكشك لم يجئ إلا باستقراء ما كان في نيته، كما أن والد ميسون اجتمع بأهله بما فيهم ميسون نفسها وخطب فيهم أن شيخ القبيلة المجاورة عمروش إذا ما تقدم وخطب ميسون لولده مولين فإن السلام سيخرج حينها من يده، وسيستقر لبعض الوقت في يد ميسون، فإن شاءت وافقت على تقديمها لهم تحية وسلاما، وإن شاءت رفضت، ولذلك نصحها أن تتريث آنذاك لتكون موافقتها عن قناعة طاردة لغريزة الرفض التي تسيطر عادة أول الأمر على كل عذراء ظلت موافقة على أبيها آمرا وحيدا في حياتها طاعة وتعلقا.سيكون مولين الآمر الوحيد أيضا، قال لها، لأنني سأتخلى بعد زواجكما عن هذا الدور لصالحه.

وأمام تطور الكلام وتشعبه حول هذا الموضوع وجد مولين وميسون نفسيهما ينجذبان تفكيرا ومشاعر نحو بعضهما، وعندما استشيرا إن كانا يرغبان أن يمهلوهما بخطبة لبعض الوقت ريثما يستأنسا ببعضهما رفض مولين أن يترك ميسون تنعم في خيالاتها بخصوصه لمزيد من الوقت، لأنه أضحى يغار عليها حتى من طيفه، وطالبت ميسون أن يتم الزواج قبل دخول ذلك اليوم في موعد خروج تنبؤات شكشك من عوالمها بأمر جديد قد يحرمها من مولين. شكشك كان شيخا تمانينيا أو تسعينيا، ولم يكن يُعرف له أصل بين القبائل، ويبدو أنه طلع كالسراب من باطن الأرض، حتى إنه هو نفسه كان يقول مبررا استياءه من هذه الصورة التي أشاعها عنه مولين، بأن جده الأكبر، وعلى العكس من ذلك، نزل مع الأمطار في عام شحيح جاف، ومنه ورث خدمة الشكشكة التي كانت تزوده بنبوءات ظل الناس يحققونها له إيمانا منهم واحتسابا، وظل العصر توقيتا حساسا وحاسما في تاريخ القبيلتين، فلم يكن يكاد يتنفس الصباح عن نبوءة من نبوءات الشكشكة حتى تظهر بشائرها أو نذائرها عند دخول توقيت نفس ذلك اليوم في العصر، وقلما كان يتأجل تحقق نبوءة يوم إلى عصر يوم آخر.

مر عام أول على زواج مولين بميسون، عم خلاله القرب بين القبيلتين وتوطد المعروف والتجارة والتشاور، وأصبح ما يربط بينهما كالوتر الذي يشد طرفي القوس إلى بعضهما، وشكشك لا يفتأ يتنبأ كل حين أن لا ساعة كانت تمر إلا وكان الوتر يصبح خلالها أمتن مما كان عليه في الساعة التي سبقتها، وسهمه يقترب بمرور الوقت شبرا شبرا ودراعا دراعا من العدو والحاسد، ثم تنزلت الشكشكة بحكمتها على لسانه في يوم فنطق أن اكتمال العزة والنصر للقبيلتين سيتم بالتناسل من بعضهما، إلا أنه كان للأمر ثمن شاءته الشكشكة لحكمة وحدها الشكشكة كانت تطلع عليها وتعلمها، لأنها هي التي صنعتها . كان شكشك وهو يبشرهم يأسف أيضا على كون كل من سوف ينزل من رحم ميسون سيكون له شأن أولُ وقاس مع الناس سيجعله حجته على السلطة التي ستتنزل معه، وأول من سوف ينطق المولود باسمهم، قبل عصر نفس ذلك اليوم الذي سينطق فيه، سيموتون في عصرهم أو قبله بقليل، وذات الأمر سيسري أيضا على من سوف يشير إليه المولود بنعت أو معنى يعنيه به دون غيره، وهذا أقلق الأقرب فالأقرب وأيدته الغالبية البعيدة من أفراد القبيلتين، وسارت الجماعات بين الدروب والأحياء تنادي أن عزة الجماعة ونصرتها أحق وأولى بأن تنشدا، وأن نقصان فرد مقابل زيادة فرد آخر أمر عادل على الأقل، فإن كان الاحتمال كبيرا بأن يموت الفرد من أشراف القبيلة فإن فردا أيضا من أشرافها سيكون قد ولد، وإن رجح الاحتمال رغم ضعفه وقتل من أباعد القبيلة فردا فإن ذلك شرف للأباعد يقربهم. أطاعت ميسون طمعا في الأمومة وخوفا كذلك من غضب الشكشكة، وأطاع مولين حبا في الدرية والوريث، وحبا أيضا في هتك نبوءة شكشك وفضح كذبه وافترائه، وبعد عام آخر كان أول مولود يرى النور أنثى هي سلمى، وقد سمتها أمها هكذا حتى يسلم لسانها من زلة قاتلة فلا تنطق بالضمير أنا لكثرة ما صار يتكرر أمامها كلما أقبل مبارك ثم غادر بسرعة معتذرا وهو يقول مبتسما ومجاملا: أنا في عجلة من أمري وأنا لا أحب أيضا أن أزعج الصغيرة سلمى أكثر من هذا. أو: أنا متوعك قليلا وأحتاج إلى شيء من الراحة، فأنا ذهبت عافيتي كما ترون والمتبقي منها أنا أتمنى من صميم قلبي لو أنني أهبه هدية للصغيرة سلمى. أو: أنا آسف حقا فأنا محموم وأنا لا أرغب أن تصاب الصغيرة سلمى بعدوى. أو ربما يكون الزائر من الأشراف أيضا ولا يخشى عاقبة صراحته لينافق، والواحد من هؤلاء قد يقول مثلا: أنا أخشى أن تكرروا اسمي أمام الصغيرة سلمى فتحفظه وتنطق به فيكون الموت من نصيبي أنا.

وأوهمت ميسون مولين، حتى لا يغضب، أنها سمت الصغيرة بسلمى لأنها فقط تتبرك بهذا الاسم، ما دامت صاحبة الثدي الكريم الذي أرضعها، عندما شح ثدي أمها عن فعل ذلك، اسمها سلمى، وكانت موافقة مولين بمثابة الإذن للنبوءة المزعومة بأن تمضي قضاءها على أم ميسون من الرضاعة أول ما نطقت ابنته سلمى باسمها لطول ما تكرر هو أيضا على لسان المباركين.

ظل مولين متشبثا برأيه وفكرته عن الشكشكة، ولم يتزعزع إيمانه قيد شعرة رغم الذي جرى، وكان يقول بأن الصدفة ربما حالفت شكشك، أو أن في الأمر مكيدة ما، أو أي سر آخر من قبيل ما هو نفسي فقط، وكان دليله القوي على ذلك هو ابنته سلمى نفسها التي قال بأن النبوءة لم تؤثر فيها لأنها لم تكن تعي بعد من إيحاءات النبوءة شيئا ليصيبها الرعب أو ما هو أشد ليقتلها على الرغم من أن اسمها هي أيضا سلمى ولسانها أقرب إليها من غيرها، ولم تكن له من حيلة ولا حول ليؤكد للناس ذلك أمام إصرارهم بأن الشكشكة حق ونبوءاتها صادقة إلا بإرساله لنسله كالسيل، فجاء للعالم بزيد والغضنفر ونورا وسيف ومماس وميساء ولالاّهم وعباسة ونوارة، ومات في المقابل جداه لأبيه وأمه، وأخوه وابن أخته الأصغر وأختا ميسون وزوجاهما وواحد من العبيد المقربين، ولم يكل مولين أو يحد عن أيمانه إلا عندما حصد المصيبة الكبرى، فلما جاء أخيرا بابنه البدر ونطق هذا الأخير بعد سبعة أشهر من ولادته قائلا مامّا بابا بقيت ميسون صامتة تنظر إلى مولين زوجها وقلبها يكاد يزهق عبر حنجرتها، ومولين يبتسم في وجهها ليطمئنها، وقال لها بأن البدر جاءه أخيرا بما سوف يدحض به افتراء شكشك بعد هذه المجزرة العائلية وكل هذا الانتظار والتعب والألم، وسار في الأحياء مسرورا يردد ذلك بين الناس، وعند العصر عاد إلى الدار بعد أن رأى أن الناس كانوا يكتفون باستراق النظر إليه بإشفاق كأنهم لم يصدقوا بعد، وقرر أن ينتظر مرور العصر وعصر يوم آخر إن اقتضى الحال قبل أن يمضي بشكوكه في شكشك عبر أحياء القبيلتين من جديد.

دق مولين، وفاجأه أول ما انفتح أمامه الباب وتجاوز عتبة الدار نحيب زوجته ميسون في الداخل.
لقد مات المقدام قالت له عندما هل عليها في مخدعها.
من؟!! تساءل بوجل.. الشاعر ابن خالتك؟

بقي مولين ممعنا في ميسون وعيناه تجحضان فيها شيئا فشيئا وتتلألآن أكثر فأكثر كأن النار كانت تضرم في مائهما، وقبل أن ينتهي الأذان من إعلانه عن حلول ساعة الصلاة كان مولين قد قدم الدليل الأخير والقاطع على كون خرافة الشكشكة لها فعلا نصيب في مملكة الأقدار، وأنه آمن أخيرا بها، وربما آمن بإيمانه من الناس من كان قد كفر، وربما تأكد من كان يؤمن أن شكشك شيخ صادق، وربما نادى شكشك في سره أن الشك حقا هو مفتاح يقين العالمين.

حكآية روحْ ❤
04-01-2017, 05:15 PM
كل الشكر لك على طرح
القصه الجميله والرائعـه
يعطيك الف عافيــه
لك مني تقديري واحترامي

نور عمان
17-01-2017, 09:10 AM
رآآآآئع
لآعدمنآ طرحكـ الخلآب
آلممتزج برحيق آلزهور
وعبق آليآسمين
يعطيكـ ربي آلعآفيه
بـ إنتظارجديدك بكل شوق
إحترآمي وتقديري

دلع ربآني
27-01-2017, 07:31 PM
,*

آختيَآرَ جَميلَ جِدآ
سَلمتَ علىَ هذهِ الآطَروحهَ الآنيقَهَ
وَسَلِمتَ يُمنَآكِ المُخمليِهَ لِ جلبهآ المُتميزَ


*,

خالد الشاعر
28-01-2017, 09:14 PM
قصه رائعه ومميزه
طرحتِ فابدعتِ دمتِ ودام عطائكِ
سلمت آناملكِ على الجلب الراقى
اعذب التحايا لكِ
لكِ خالص احترامي
خ ــالد الشاعر

بلسم الروووح
31-01-2017, 06:40 PM
طرح رائع وراقي
ابداع لاحدود له..تميز وذوق رفيع
لاعدمنا ابداعك وجمال ذائقتك
دام نبضك في اركاننا
شذى الجوري لروحك ..