المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يازين عشاكم


حكآية روحْ ❤
07-07-2021, 12:52 AM
قصة يازين عشاكم :

كتب طالب إلى مدرسته بعد تَخَرُّجِهِ منها معاتبًا ولائمًا على عدم تَقَبُّلِ النَّقْدِ البناء والاقتراحات الهادفة قائلاً بأنَّه معجبٌ كثيرًا ببعض أساليب المدرسة التربوية، ولكنه يُشَبِّهُ بعضَ أساليبِها بأساليبِ جَدِّهِ الكبير الذي هرم وبدأت مداركه تقل نشاطًا وحيوية، وقال في رسالته بأن جَدَّه يُعْتَبَرُ من الرجال الأوائل الذين يحملون القيم الكريمة، ولكنه يعتقد بأن دورة الحياة ما زالت واقفة عند الوسائل الحضارية الماضية غير معترف بالمتغيرات التي صبغت مختلف أوجه الحياة، وتطلب التكيف معها حسب المنهج الإسلامي، ثم وصف جدَّه بأنه متعنتٌ ومحتكر لجميع القرارات غيرُ آبهٍ بمن حوله وبمن تعنيهم هذه القرارات، وقال: كم أتمنى ألا تكون المدرسة بعقلية جدي في بعض قناعاته.
شعر مدير المدرسة مع فريقه بأنه من الضروري معرفة ماذا يريد أن يقول الطالب؛ لأن المدرسةَ يُهِمُّها بالدرجة الأولى تقييم خطوتها ورسالتها عن طريق الوقوف على آراء وملاحظات الطلاب؛ حتى تؤدي العملية التعليمية والتربوية بوجهها الصحيح..
لذلك اتَّصَلَتِ المدرسةُ بالطالب وطَلَبَتْ منه إيضاح وجهة نظره، وأكد له مدير المدرسة شخصيًا بأن وجهة نظره وملاحظاته ستكون مكان احترام هيئة المدرسة، وافق واشترط عدم ذكر اسمه أثناء نشرها، وقال: لقد مرَّ عليَّ في حياتي نقاش وجدال بين والدي وجدي حول رغبته السماح له بالمشاركة بالرأي والقرارات التي تخص الأسرة، وللعلم فإن أبي خريج مدرسة أهلية ومن المطَّلِعين على أبواب العلم بصورة شاملة، وهو يُحْسَبُ من فريق مَنْ يأخذ مِنْ كلِّ فَنٍّ بطرف، ومن أجل أن يقنع والدي أباه فقد أخذ يسرد بعض الروايات الإسلامية التي تدعم وجهة نظره، إلا أن جدي تمسك بحقه المطلق في اتخاذ القرارات بدون مشاركة من أحد أو نقد لما يصدره، وتدخل عمي وهو خريج إحدى الجامعات في المناقشة قائلاً: إن المدح والثناء الدائم مرض اجتماعي يجب ألا نربي شبابنا عليه؛ لأنه نوعٌ من النِّفاق، كما أن النقد المبنيَّ على عدم التَّرَوي وإعطاء البديل المناسب أو المعتمد على الأسلوب غير الواقعي المتزن يعتبر نوعًا من الهدم، ولذلك فنحن بحاجة إلى واقعية الحديث واتزان في الرأي وعدم إسراف في المدح.
وأستأنف الطالب حديثه قائلاً: لقد تذكرتُ جِدَالَ جَدِّي وأبي وأنا بينكم في المدرسة، وكم كنت أَوَدُّ أن أُبْدِي بعضَ الملاحظات لكم، ولكن سياستكم المدرسية لم تكن تسمح بذلك، وإنما كان الواقع ينشد منا بعض المديح والإطراء ولم نكن شعراء لنعلق لكم معلقة ظاهرها المدح، وباطنها الاستهزاء منكم يا رجال مدرستي ... لقد اتفقتم مع جدي في مسيرته ولعل لجدي بعض العذر حيث إنه غير متعلم ولكن كيف نعذركم يا رجال التربية ...
إن جدي يطالبنا بمدح كل شيء نراه لدى الغير، ويسايره والدي في ذلك احترامًا له برغم عدم قناعته، ويطالبنا بعدم إحراج جدي أو إبداء أي نقد لآرائه.
وقد حدث ذات مرة أن دعانا صديقٌ لجدِّي لوليمة عشاء وأخطأ أهل المضيف فوضعوا السكر بدل الملح، فأكلنا مجاملين ثم شكرناه على هذه الوجبة الحلوة التي لم نأكل مثلها في عمرنا، واكتشف المضيف الخطأ فاسود وجهه، ولو كنا صارحناه بمعرفتنا وبسطنا له الأمور وقلنا له مثلاً: إننا كلنا نخطئ وجل من لا يخطئ. لو فعلنا ذلك لَمَرَّ الأمر بسلام، ولكنَّ مَدْحَنا للطعام مجاملة أتى بنتيجة عكسية، ولم ينته الأمر عند ذلك؛ بل إن أخي الصغير زاد الطين بلة كما يقولون؛ فقد رَحَّبَ بمضيفنا بعد أيام وسط مجموعة من أصدقائه قائلاً: «يا زين عشاكم». وربما فهم مضيفنا أنه استهزاء به وتعريض بما حدث، وأنا لن أقول لكم: يا زين هذه القصة. وإن كان بودِّي أن أقول؛ ولكني أترك الحكم للقارئ الكريم، ويا ليته يقول: يا زين عشاكم.