المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البعد عن مصدر النور


حكآية روحْ ❤
10-06-2021, 01:53 AM
جاءتني وهي تئنُّ مما تعاني، والهمُّ مطبقٌ عليها، والسهر بادٍ، سوادٌ تحت العيون، أما العود، فظاهرٌ عليه النحولُ، امرأة لم تكمل الثلاثين من العمر، لكنها على الأعتاب، قلت لها: اهدئي، إنها الدنيا، لا تساوي قطرة دموع، ولا آهة، قالت: يا ليتها الدنيا، ما كنت بكيت.

قالت - يملؤها العجب -: كدتُ البارحة أُطلَّق!
فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أختاه، ألم أَقُلْ لك لا تضجريه، والزمي باب الدعاء لا تبرحيه، فعسى الله أن يمنَّ بالهداية، ويقيكم شرور الغَواية؟

فقالت: الأمر فاق الحدَّ.
فقلتُ: احمدي الله، فهو حكيم وقادر، ووحدَه يملك التفريج في لمحٍ من البصر لا يزيد، فأبشري، وعليه توكلي.

واصلَتْ وهي تبكي: إنه زوجي! يأمرني بنمص الحاجبَين، وهدَّدني بآخر طلقتَين، قالت: فلم أُجِب، لكني بكيت، فقال: وماذا يضرك بضع شعرات، أليس في مرضاة الزوج؟ فقلت: ومرضاة الرب أَلَا أعبأُ بها؟! وشاركَتْ أمُّه تحل القضية، فقالت: ارحميه يا بُنية؛ فإنه شاب له نظر، ويعمل في مجال خطر؛ إنه سائق "تاكسي"، فارحميه وأطيعيه، فسيَّرني إلى أهلي، وقال: امكثي حتى تعقلي، ولا تعودي حتى تفعلي، فلم أخبر أحدًا بالأمر؛ لأني استحيَيْتُ أن أحكي لأهلي، وإلى الآن ما تنمَّصت، ولا إلى زوجي رجعت!

وهذه قصةٌ تتكرَّر مرارًا، مردُّها غياب الشرع، إما بالتربية على مفاهيم العادة والجهل، وإما لغلبةِ الشهوات، مع العلم بالحرمة واللعن الوارد في النمص، ولكن المثير في القضية اتِّساعُ الفرق بين رجال المسلمين اليوم ورجال الصحابة بالأمس، فلو قرأنا ما ورد في البخاري بسنده عن ابن مسعود، لهالنا الفرقُ، ولأحزننا ما نراه من البعد عن مصدر النورِ؛ آيات القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال عبدالله بن مسعود: لعن اللهُ الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المُغيِّرات خلقَ الله، فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد - يقال لها: أم يعقوب - فجاءت، فقالت: إنه بلغني أنك لعنتَ كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَن هو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين، فما وجدتُ فيه ما تقول؟! فقال: لئن كنتِ قرأتِه لقد وجدتِه، أمَا قرأتِ: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلَك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبتْ فنظرت، فلم ترَ من حاجتها شيئًا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتنا؛ البخاري.

قول ابن مسعود: لو أن امرأتي تنمَّصت (أزالت بعض شعرات مِن حاجبيها) ما جامعتنا؛ يعني ما مكثت في بيتي، وما شاركتني حياتي، وبعضُ الرجال اليوم يقول على النقيض: لو أن امرأتي (استجابت للنبي صلى الله عليه وسلم) ولم تتنمص، لا تساكنني في بيتي، ولا تشاركني حياتي! فشتَّان شتان ما بين الرجلين! ما أوسع الفرق! والعجب كل العجب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص في الخبر، فما العمل؟


دوري ودورك كأمٍّ أن نعود بهذا الجيل لِما قال الله عز وجل وما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فتعلَّمي وعلِّمي مَن وراءك، وعُدْنَ إلى خير الهُدى، واجعلنها قضية حياة، وعِشْن لنصرها؛ لتحيا الأمة من جديد، ويخضر عودها؛ بعودتِك أنت أيتها الأم؛ فأنت على ثغر، فلا تتخلَّي عن دورك